الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
في الصحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: هذه الترجمة تحتمل كراهة هذا القول وتحريمه، وقد اختلف العلماء في ذلك، وسيأتي التفصيل فيه. قوله: في " الصحيح ". سبق التنبيه على مثل هذه العبارة في كلام المؤلف، وهذا الحديث في " الصحيحين "، فيكون المراد بقوله " في الصحيح "، أي: في الحديث الصحيح، ولعله أراد " صحيح البخاري " لأن هذا لفظه، أما لفظ مسلم، فيختلف عنه. قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا يقل". الجملة نهي. "عبدي"، أي: للغلام. و "أمتي"، أي: للجارية. والحكم في ذلك ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يضيفه إلى غيره، مثل أن يقول: عبد فلان أو أمة فلان، فهذا جائز قال تعالى: الثاني: أن يضيفه إلى نفسه، وله صورتان: الأولى: أن يكون بصيغة الخبر، مثل: أطعمت عبدي، كسوت عبدي، أعتقت عبدي، فإن قاله في غيبة العبد أو الأمة، فلا بأس به، وإن قاله في حضرة العبد أو الأمة، فإن ترتب عليه مفسدة تتعلق بالعبد أو السيد منع، وإلا، فلا لأن قائل ذلك لا يقصد العبودية التي هي الذل، وإنما يقصد أنه مملوك. الثانية: أن يكون بصيغة النداء، فيقول السيد: يا عبدي ! هات كذا، فهذا منهي عنه، وقد اختلف العلماء في النهي: هل هو للكراهة أو التحريم؟ والراجح التفصيل في ذلك، وأقل أحواله الكراهة. قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: واعلم إن إضافة الرب إلى غير الله تعالى تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن تكون الإضافة إلى ضمير المخاطب، مثل: أطعم ربك، وضيء ربك، فيكره ذلك للنهي عنه، لأن فيه محذورين: 1. من جهة الصيغة، لأنه يوهم معنى فاسدًا بالنسبة لكلمة رب، لأن الرب من أسمائه سبحانه، وهو سبحانه يطعم ولا يطعم، وإن كان بلا شك إن الرب هنا غير رب العالمين الذي يطعم ولا يطعم، ولكن من باب الأدب في اللفظ. 2. من جهة المعني أنه يشعر العبد أو الأمة بالذل، لأنه إذا كان السيد ربًا كان العبد أو الأمة مربوبًا. القسم الثاني: أن تكون الإضافة إلى ضمير الغائب، فهذا لا بأس به، كقوله: ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث أشراط الساعة، القسم الثالث: أن تكون الإضافة إلى ضمير المتكلم، بأن يقول العبد: هذا ربي، فهل يجوز هذا؟ قد يقول قائل: إن هذا جائز، لأن هذا من العبد لسيده، وقد قال تعالى عن صاحب يوسف: القسم الرابع: أن يضاف إلى الاسم الظاهر، فيقال: هذا رب الغلام، فظاهر الحديث الجواز، وهو كذلك ما لم يوجد محذور فيمنع، كما لو ظن السامع أن السيد رب حقيقي خالق ونحو ذلك. قوله: وأما إذا قلنا بأن أطعم ربك خاص بمن يخاطب العبد لما فيه من إذلال العبد بخلاف ما إذا قال هو بنفسه: أطعمت ربي، فإنه ينتفي الإذلال، فإنه يقال: إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما وجه الخطاب لمن يخاطب العبد وجه الخطاب إلى العبد نفسه، فقال: وقوله " سيدي ". السيادة في الأصل علو المنزلة، لأنها من السؤدد والشرف والجاه وما أشبه ذلك. والسيد يطلق على معان، منها: المالك، الزوج، والشريف المطاع. وسيدي هنا مضافة إلى ياء المتكلم وليست على وجه الإطلاق فالسيد على وجه الإطلاق لا يقال إلا اله عز وجل قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وأما السيد مضافة، فإنها تكون لغير الله، قال تعالى: تنبيه: اشتهر عند بعض الناس إطلاق السيدة على المرأة، فيقولون مثلًا: هذا خاص بالرجال، وهذا خاص بالسيدات، وهذا قلب للحقائق، لأن السادة هم الرجال، قال تعالى: قوله: "ومولاي". أي: وليقل مولاي، والولاية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ولاية مطلقة، وهذه لله عز وجل لا تصلح لغيره، كالسيادة المطلقة. وولاية الله نوعان: النوع الأول: عامة، وهي الشاملة لكل أحد، قال الله تعالى: النوع الثاني: خاصة بالمؤمنين، قال تعالى: القسم الثاني: ولاية مقيدة مضافة، فهذه تكون لغير الله، ولها في اللغة معان كثيرة، منها الناصر، والمتولي للأمور، والسيد، والعتيق. قال تعالى: ويقال للسلطان ولي الإمر، وللعتيق مولي فلان لمن أعتقه، وعليه يعرف أنه لا وجه لاستنكار بعض الناس لمن خاطب ملكًا بقوله: مولاي، لأن المراد بمولاي أي متولي أمري، ولا شك أن رئيس الدولة يتولي أمورها، كما قال تعالى: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فالسيد منهي أن يقول ذلك، لأنه إذا قال: عبدي وأمتي، فقد تشبه بالله عز وجل ولو من حيث ظاهر اللفظ، لأن الله، عز وجل يخاطب عباده بقوله: عبدي، كما في الحديث: وإن كان السيد يريد بقوله: "عبدي"، أي: مملوكي، فالنهي من باب التنزه عن اللفظ الذي يوهم الإشراك، وقد سبق بيان حكم ذلك. وقوله: " وأمتي ". الأمة: الأنثي من المملوكات، وتسمي الجارية. والعلة من النهي: أن فيه إشعارًا بالعبودية، وكل هذا من باب حماية التوحيد والبعد عن التشريك حتى في اللفظ، ولهذا ذهب بعض أهل العلم ومنهم شيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله إلى أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم، وأنه على سبيل الآدب والأفضل والأكمل، وقد سبق بيان حكم ذلك مفصلًا. قوله: " وليقل: فتاي وفتاتي ". مثله جاريتي وغلامي، فلا بأس به. وفي هذا الحديث من الفوائد: 1. حسن تعليم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، حيث إنه إذا نهي عن شيء فتح للناس ما يباح لهم، فقال: الأولى: تسهيل ترك المحرم على هؤلاء، لأنهم إذا عرفوا أن هناك بدلًا عنه هان عليهم تركه. الثانية: بيان أن الدين الإسلامي فيه سعة، وأن كل ما يحتاج إليه الناس، فإن الدين الإسلامي يسعه، فلا يحكم على الناس أن يتكلموا بشيء أو لا يفعلوا شيئًا إلا وفتح لهم ما يغني عنه، وهذا من كمال الشريعة الإسلامية. 2. أن الأمر يأتي للإباحة، لقوله: فيه مسائل: الأولى: النهي عن قول: عبدي وأمتي. الثانية: لا يقول العبد: ربي، ولا يقال له: أطعم ربك. الثالثة: تعليم الأول قول: فتاي وفتاتي وغلامي. الرابعة: تعليم الثاني قول: سيدى ومولاي. الخامسة: التنبيه للمراد، وهو تحقيق التوحيد، حتى في الألفاظ. فيه مسائل: * الأولى: النهي عن قول: عبدي وأمتي. تؤخذ من قوله: * الثانية: لا يقول العبد: ربي، ولا يقال له أطعم ربك. تؤخذ من الحديث، وقد سبق بيان ذلك. * الثالثة: تعليم الأول (وهو السيد) قول: فتاي وفتاتي وغلامي. * الرابعة: تعليم الثاني (وهو العبد) قول: سيدي ومولاي. * الخامسة التنبيه للمراد، وهو تحقيق التوحيد حتى في الألفاظ. وقد سبق ذلك. وفي الباب مسائل أخري لكن هذه المسائل هي المقصود.
***
|